الباحث
د. احمد حليحل، دكتوراة في العلوم السكانية (ديموغرافيا) من الجامعه العبرية في القدس.
مدير كبير لقسم الديموغرافيا وتعداد السكان في دائرة الاحصاء المركزية. مسؤول عن الاحصاءات الرسمية السكانية والصحية وعن التخطيط المنهجي لتعداد السكان. يبحث التغيرات الديموغرافية بالعائلة العربية.
الملخص
بين عامي 2000 و 2018، انخفض معدل الإنجاب الكلي للنساء العربيات في إسرائيل بشكل ملحوظ من 4.37 إلى 3.44 طفل في المتوسط لكل امرأة. الدراسات القليلة التي فحصت هذا الانخفاض إما ركزت على تأثير التقليص في مخصصات الأولاد عام 2003، أو اكتفت بتقديم وصفٍ عامٍ جدًا للانخفاض. الهدف من هذا المقال هو إثراء المعلومات الشحيحة المتعلقة بخصائص تراجع الإنجاب ومحاولة شرحها من خلال التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي مر بها المجتمع العربي في تلك الفترة. للقيام بذلك، استخدمتُ مصدرين للمعلومات: بيانات الولادة المسجلة في السجل السكاني لحساب معدل الإنجاب الكلي على مر السنين حسب المجموعات الفرعية داخل المجتمع العربي، وبيانات من المسح الاجتماعي الذي أجرته دائرة الإحصاء المركزية لحساب عدد الأولاد المثالي في الأسرة (الطلب للأولاد) والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وأثرها على الطلب للأولاد. لقد قمت بفحص ثلاثة تغيّرات رئيسية: مكانة المرأة، والتي تنعكس في درجة مشاركة المرأة في الحيز العام؛ مدى استخدام الإنترنت لأغراض الحصول على المعلومات واستعمال الشبكات الاجتماعية؛ والوضع الاقتصادي وجودة الحياة.
كان الانخفاض في معدلات الإنجاب الزمنية شاملاً ولوحظ في جميع المجموعات التي تم اختبارها. ساهم التحسن في وضع المرأة، الذي يقاس بزيادة مشاركتها في الحيز العام (التعليم والمشاركة في سوق العمل وقيادة السيارات)، في انخفاض الإنجاب على الرغم من أن الطلب للأولاد لم يتغير. كما كان هناك انخفاض كبير في الطلب للأولاد عند النساء غير المتواجدات في الحيز العام، لدرجة زوال الفجوة بينهن وبين النساء المتواجدات في الحيز العام. ربما كان أحد التفسيرات لزوال الفجوة هو ثورة المعلومات وحلول الشبكات الاجتماعية الالكترونية مكان الشبكات الاجتماعية الفعلية. وكما يبدو، أدى الدمج بين تطور الشبكات الاجتماعية وتحسّن الوضع الاقتصادي وجودة الحياة إلى زيادة استهلاك المنتجات الحديثة على حساب العدد المرغوب من الأولاد.
يساهم هذا المقال في معرفة العلاقة بين استخدام الإنترنت للمعلومات والشبكات الاجتماعية وتراجع معدلات الإنجاب ، خاصةً عندما يندمج مع الانتقال إلى التعليم الجارف.
المقدمة
بين عامي 2000 و 2018، انخفضت معدلات الولادة في المجتمع العربي في إسرائيل بشكل ملحوظ من 4.37 إلى 3.44 طفل في المتوسط لكل امرأة. المجتمع العربي في إسرائيل غير متجانس ويتكون من مجموعات مختلفة مقسمة حسب الدين ومستوى التدين والتوزيع الجغرافي-العرقي. على الرغم من الاختلافات بين المجموعات في معدلات الولادة، لوحظ الانخفاض فيها جميعًا. وبناء على ما أعلم، لا توجد دراسات فحصت خصائص هذا الانخفاض، بخلاف الدراسات التي درست تأثير تخفيض مخصصات الأطفال في عام 2003 على معدلات الولادة. الهدف من هذا المقال هو إثراء المعلومات الشحيحة المتعلقة بخصائص تراجع معدلات الولادة في المجتمع العربي، وكذلك إثراء المعلومات التي تتناول التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت بالتوازي واحتمال تأثيرها على الانخفاض في الخصوبة.
المقال مقسم إلى ستة أجزاء. في الجزء الأول سأقدم لمحة تاريخية عن التغيرات في مستوى الإنجاب في المجتمع العربي منذ قيام الدولة حتى يومنا هذا. سأقدم بيانات توضح التغيرات بمرور الوقت، وسأبين أن تراجع الإنجاب في الآونة الأخيرة ينعكس في جميع الفئات التي يتألف منها المجتمع العربي، وسوف أختم بعرض موجز عن التحول الديموغرافي من الإنجاب المرتفع إلى الإنجاب المنخفض في الدول العربية والإسلامية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. في الجزء الثاني سأزعم أن الانخفاض في معدلات الإنجاب االزمني المعروضة في الجزء الأول يدعمه تغيير في المواقف في المجتمع العربي تجاه الطلب على الأولاد (العدد المثالي للأولاد المرغوب فيه في الأسرة). سأقدم بيانات من المسح الاجتماعي لعامي 2009 و 2018 حول عدد الأولاد المرغوب في كل أسرة حسب الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية المختارة. تشير البيانات إلى أن الانخفاض في الطلب على الأولاد قد لوحظ في كل واحدة من الخصائص المختارة، ما يعزز الادعاء بأن الانخفاض في الإنجاب هو ظاهرة عامة. في الجزء الثالث سأناقش التقليص الكبير في مخصصات الأولاد في عام 2003 وتأثيره الضئيل على انخفاض الإنجاب. في الجزء الرابع سأناقش التغيير في مكانة المرأة العربية، الذي يُقاس بمدى مشاركتها في الحيز العام من خلال حصولها على التعليم والعمل ورخصة القيادة، وعلاقة هذا التغيير في مكانتها بانخفاض معدلات الولادة. وسأقوم بتوسيع النقاش حول انخفاض الإنجاب مع التمييز بين النساء الموجودات في الحيز العام وأولئك الموجودات خارجه. في الجزء الخامس سأناقش عالمية الإنترنت للبحث عن المعلومات والمشاركة في الشبكات الاجتماعية الافتراضية وتأثيره على التغيير في الطلب على الأولاد ، مع مناقشة الآليات المعروفة لتأثير الشبكات الاجتماعية التقليدية. في الجزء السادس سأناقش التغيير في أولويات الأسرة العربية، والذي ينعكس في انخفاض الطلب على الأولاد بسبب زيادة الطلب على جودة الحياة، والعلاقة بين هذا التغيير وتحسن الوضع الاقتصادي. سأختتم المقال بملخص ومناقشة أكثر عمقًا للنتائج.