العنف في المجتمع العربي: العوامل والتداعيات وطريق النجاة

بقلم: د. سامي ميعاري, محاضر في جامعه تل ابيب وجامعه أوكسفورد ومدير عام المنتدى الاقتصادي العربي موجات العنف الأخيرة داخل المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل ألقت بظلالها الثقيلة على الجميع، وفتحت النقاش مجدداً حول أسبابها وآثارها وطرق الحد منها. وأمام ظاهرة خطيرة كهذه – آخذة بالاستفحال – لا بد من نقاش علمي منهجي يبتعد عن الانفعالات العاطفية وإصدار الأحكام جُزافاً، والتعليقات التي تتناول جوانب وتُغفل أُخرى. ولتسليط الضوء على البواعث والأسباب التي تقف وراء تصاعد هذه الظاهرة البغيضة لا بد من تناول العوامل التالية:

أولاً-العامل الاقتصادي:

فحسب أبحاث علمية فإن الاقتصاد الهشّ للأقليات ( مجموعات إثنية ) له دور بارز في انخراط هذه المجموعات في عواصف العنف، وكما بينت دراسات أُخرى بأن تكلفة الفرصة البديلة لفرد أو عائلة ترزح تحت خط الفقر أو تعاني من بطالة بسبب دخل منخفض، هي قليلة مقارنة بعائلات وأفراد من ذوي الوضع الاقتصادي الجيد، وبالتالي فإن تكلفة الفرصة البديلة هذه تؤدي إلى انخراط الفرد بنسبة عالية بأعمال العنف. هذه النظرية مثبتة في عديد من الدراسات في الولايات الأمريكية المتحدة وبالذات لدى الأقليات الإثنية التي تعاني من وضع اقتصادي سيئ ، كما أظهرت دراسات في أُوربا وجود ارتباط بين الوضع الاقتصادي السيئ من جهة، والانخراط في العنف من جهة أُخرى. وإذا ما طبّقنا هذه النظرية على مجتمعنا العربي في الداخل فسنرى أن غالبية القرى والمدن العربية تعاني من بطالة عالية ودخل محدود، ونسبة العائلات القابعة تحت مستوى خط الفقر تتجاوز ال 50% كما أن نسبة الفقر لدى فئة الأجيال الشابة هي الأعلى في الدولة. ونسبة  انخراط النساء في سوق العمل النساء لا تتجاوز ال30% وبالتالي فإن احتمالية انخراط الفرد العربي في العنف هي أكبر بكثير مقارنة بباقي المجموعات الإثنية في الدولة.

ثانياً-دور الشرطة: 

هنالك دور كبير للردع، ذلك العامل المرتبط بالشرطة وعملها ومدى جودة أدائها في الوسط العربي. وإذا ما دقّقنا في عمل الشرطة في المجتمع العربي فإننا نلحظ عليها ما يلي:
  • (بخصوص جودة عملها): أثبتت الشرطة على مدار السنوات الماضية (عدم فاعليتها) في المجتمع العربي، مقارنة بفاعليتها داخل المجتمع اليهودي في البلاد: فعندما تحدث جريمة داخل المجتمع اليهودي فإننا نرى نجاعة عمل الشرطة في التحقيق وفي كشف ملابسات الجريمة ونقلها إلى سُدّة القضاء، بينما عندما تقع نظيرتها في المجتمع العربي فإن التقاعس ومحدودية عمل الشرطة في التعرف على ملابسات الجريمة، هما سيدا الموقف. وهذا بلا شك يطرح التساؤل القائم: هل جودة عمل الشرطة في الوسط اليهودي هي أعلى منها في الوسط العربي؟؟!
  • (في ما يتعلق بأعدادها): هل عدد أفراد الشرطة العاملين في المناطق العربية من البلاد يتناسب مع عدد المواطنين؟ الجواب: لا بكل تأكيد. إذ إن هنالك نسبة متعارف عليها دولياً لعدد أفراد الشرطة مع عدد السكان في منطقة ما، ولذلك فإن نقص عدد أفراد الشرطة العاملين في الوسط العربي واضح للعيان.
  • (الوساطات والمحسوبيات): للشرطة وجه آخر – كبير جداً – في التعامل مع مرتكبي الجريمة في الوسط العربي وهو لا يقل خطورة عن الجريمة نفسها، ألا وهو المحسوبيات.
وليس خافياً على متابع أنه في كثير من القرى والبلدات العربية ثمة تواصل واتصالات مع الشرطة في المنطقة نفسها، وهؤلاء يتوسطون لمرتكبي بعض الجرائم لدى الشرطة لإخلاء سبيلهم، فيما تتجاوب الشرطة مع ذلك، فنصبح أمام جريمة مزدوجة أو مركبة: جريمة الفاعل، وجريمة الشرطة التي أفلتت الفاعل من العقاب والمحاسبة، وهذا يؤشر إلى خلل وفساد في جهاز الشرطة. وهنا يحق لي تسجيل استغرابي ودهشتي: فهل تسمح الشرطة الإسرائيلة بمثل هذه المحسوبيات والوساطات في ملفات الجرائم التي تركب داخل المجتمع اليهودي وتؤذي سكاناً يهوداً؟؟!

ثالثاً- (الإحباط لدى فئة الشباب): 

عندما أتحدث عن الجريمة والعنف في الوسط العربي، لا يكفي تفسير الجريمة في ضوء العوامل الاقتصادية وإسنادها للحالة المعيشية ولدور الشرطة فحسب، لأنّه – باعتقادي – شهدت السنوات الأخيرة في مجتمعنا العربي تفاقم حالة من الإحباط واليأس عند الشباب، وما نسبته تقريباً 30% من هؤلاء الشباب هم من الفئة العمرية للجيل من 18-24 عاماً، حيث لا يوجد لديهم طموح يعملون من أجله ولا رؤية مستقبلية يكافحون في سبيلها. وباعتقادي فإن حالة من الإحباط لدى هذه الفئة العمرية ناجمة عن تطور منظومة جديدة في وسطنا هي منظومة التنافس على المصادر المالية والألقاب والجاه والنفوذ، فعندما تكون حالة التنافس الآخذة بالازدياد في المجتمع العربي مقارنة بعدد السكان، وعندما يكون تقسيم ( الكعكة) غير متساوٍ وغير مُنصِفٍ داخل المجتمع العربي فهذا يؤدي إلى إحباط كبير عند فئات كبيرة من المجتمع خاصة تلك التي لم تحصل على غير الفُتات، وأكبر دليل على ذلك هو المنافسة الشرسة للعائلات العربية في انتخابات السلطات المحلية. فبعض العائلات والمجموعات شكلت ما يسمى تكوين رأس المال غير الشرعي من خلال الاستيلاء على السلطات المحلية وبهذا تصبح الجسم الأكبر المُشغل لكل بلد إما بيد عائلة كبيرة أو بيد مجموعة من المنتفعين وهذا بحد ذاته أدى إلى أعمال العنف في الفترة الأخيرة كما أن عواقب هذه الظاهرة الخاصة بالمجتمع العربي أدت إلى زيادة الإحباط لدى الشباب نتيجة الاستيلاء على الموارد .

رابعاً-

البند المتعلق والمرتبط بالعنف داخل العائلة وضد النساء: وهنا لا بد من الانتباه إلى أن هنالك تحولاً نهضويّاً كبيراً حدث داخل مجتمعنا لدى النساء من حيث زيادة عدد سنوات التعليم وانخراط جزء منهن بسوق العمل. ولا شك بأن المرأة في مجتمعنا ليست تقليدية ولا تعيش على نهج الأجداد والآباء والأمهات ، وهذا التحول في كثير من الأحيان يؤدي إلى فجوة كبيرة بين ما يتوقعه الزوج إزاء زوجته وبين حالة التحرر النهضوي غير التقليدية التي تعيشها المرأة العربية ما يؤدي إلى مشاحنات تنتهي بأعمال عنف ضد النساء. وأختم بأُولئك الذين يحاولون تعنيف المرأة باسم الدين،  مذكراً إياهم بأن الذي يفهم الدين بشكل أعمق لن يجد فيه ما يغطي على موقفه بل سيجد العكس تماماً، فقد قرر الإسلام حق العمل الشريف للمرأة مثلها مثل الرجل تماماً، ، خاصة إن كان هذا العمل يتناسب مع طبيعة المرأة وقدراتها، ولا يترتب عليه تقصير في واجبات أخرى منوطة بالمرأة تجاه زوجها وأسرتها. هذه خلاصة موقف الإسلام من عمل المرأة لكي يتوقف المزايدون والجاهلون بشريعة الإسلام عن تحميل هذا الدين العظيم مواقف ظالمة تجاه النساء، إذ يصورونه على أنه دين يعادي حقوق المرأة، ويفرض حولها أسواراً حديدية…. هذه الرؤية الضيقة لحركة المرأة في الحياة لا تزال للأسف تسيطر على عقول بعض الرجال في عالمنا العربي، وهي رؤية ظالمة ولا علاقة لها بالإسلام وتنطلق من منطق متخلف في تعامل هؤلاء مع نسائهم، بعيداً عن تعاليم الإسلام وتوجيهاته.

Accessibility Toolbar