د. سامي ميعاري – محاضر في جامعة تل أبيب وجامعة أوكسفورد ومدير عام المنتدى الاقتصادي العربي
تنتهي في عام 2020 مدة خطة 922، وهي برأيي فرصة ذهبية لمراجعة التجربة، تصحيح الأخطاء الكثيرة المرتبطة بها، وإزالة الأوهام المحيطة بها من خلال وضع الأمور في نصابها وتسميتها بمسمياتها الصحيحة. هذا المراجعة ضرورة لتحقيق خطة اقتصادية مستقبلية أفضل، تسد الفجوات بشكل أكثر فاعلية، وتقرّبنا خطوة نحو المساواة المنشودة، مما يجعلها استثمارًا حقيقيًا وفعّالًا في مجتمعنا العربي. في هذا المقال القصير، أود تسليط الضوء على ثلاثة أخطاء رئيسية شابت مرحلة الاستعداد والمفاوضات مع الحكومة حول خطة 922.
الخطأ الأول:
افتقر الوفد العربي المفاوض إلى آليات عمل واضحة، وخطة أو برنامج محكم للإقناع، كما لم يكن مزودًا بخطة استراتيجية اقتصادية شاملة للمطالبة بحقوق المجتمع العربي. لقد غُيّب دور الأكاديميين والخبراء الاقتصاديين عن الوفد المفاوض، مما أدى إلى غياب خطة اقتصادية تستند إلى أبحاثهم وخططهم المقترحة، ورؤيتهم العميقة للمجال الاقتصادي. كان يجب أن تكون المفاوضات مع الحكومة مبنية على حضور مركزي لأصحاب الاختصاص والخبرة العلمية والعملية في الاقتصاد. ومع ذلك، لم يحدث هذا الأمر، بل على العكس، لم يضم الوفد أي خبير اقتصادي، وتم تجاهل دور الباحثين والعلماء واستخدام أبحاثهم دون توثيق المصدر.
أدى هذا التغييب إلى تقويض الجهود الجماعية لصالح مكاسب إعلامية أو سياسية شخصية، مما تسبب في خسائر جماعية للمجتمع العربي.
الخطأ الثاني:
يتعلق بعدم تشكيل مجموعات عمل مهنية من الخبراء العرب في المجالات المرتبطة بالخطة. كان من المفترض أن تقوم هذه المجموعات بإعداد خمس خطط شاملة تعتمد على مسح احتياجات المجتمع العربي، وصياغتها في خطة موحدة تُطرح كأساس للتفاوض مع الحكومة. بدلاً من ذلك، أُنيطت مهمة إعداد الخطة بشركة خاصة تُدعى “TASK”، وهو نهج لم يخدم المصلحة العامة. في المستقبل، يتوجب أن تكون لجنة المتابعة، بالتنسيق مع اللجنة القطرية والقائمة المشتركة، مسؤولة عن قيادة هذا العمل المهم. الفرصة لا تزال قائمة لإنجاز خطة مهنية وفاعلة تتوافق مع احتياجات المجتمع.
الخطأ الثالث:
التوجه الخاطئ في معالجة القضايا الاقتصادية وكأنها قضايا محلية تخص السلطات المحلية فقط، بدلاً من التعامل معها كقضايا بنيوية تخص المجتمع العربي بأسره. هذا النهج ساهم في تعميق التمييز الجماعي ضدنا، إذ جاءت الخطة الاقتصادية بمخرجات محدودة للغاية لم تلبي احتياجات المجتمع العربي، ولم تتضمن آليات للتغيير الجذري الذي يحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا، ويضمن مخرجًا آمنًا من دوامة الفقر.
أقوى دليل على ذلك هو ما حدث في ميزانية عامي 2017 و2018، عندما قررت الحكومة تخصيص 5 مليارات شيكل لمدينة نتيڤوت في عام 2018 لقطاع الإسكان فقط. حتى إذا افترضنا جدلًا أن الخطة الاقتصادية 922 وصلت إلى 9 مليارات شيكل لجميع بنودها (مع أنني أثبت في مقال سابق أن المبلغ الفعلي لم يتجاوز 2.5 مليار شيكل)، فإن هذا يعني 9 مليارات شيكل موزعة على جميع المدن والقرى العربية وفي جميع المجالات ولمدة خمس سنوات، أي أقل من ملياري شيكل سنويًا. في المقابل، حصلت بلدة يهودية واحدة على 5 مليارات شيكل في عام واحد ولقطاع واحد فقط.
هذا يمثل دليلًا قاطعًا على الحجم الاقتصادي الحقيقي للخطة 922، ويبرز إشكالية تضخيم الأرقام لتسويق الإنجازات بدلًا من انتقاد التمييز والمطالبة بالميزانيات التي “ضاعت على الطريق”. كما يكشف عن حقيقة أن احتياجات المجتمع العربي تتجاوز بكثير ما تقدمه هذه الخطة، ويؤكد استمرار انعدام المساواة في توزيع الموارد المالية، وهو جوهر المشكلة التي يجب أن تكون محور اهتمام السياسيين وتدفعهم إلى العمل الجاد.
إنها لحظة تاريخية مناسبة للعمل بجدية على وضع خطة اقتصادية شمولية بمشاركة مختصين في جميع المجالات لضمان الحصول على حقوقنا المدنية والاقتصادية. أدعو كل من لديه القدرة من مؤسسات أهلية وأعضاء كنيست ورؤساء سلطات محلية للانضمام إلى المنتدى الاقتصادي العربي للبدء بهذا العمل. لدينا فرصة ذهبية نظرًا للمتابعة الدولية غير المسبوقة لقضايانا السياسية والاقتصادية، والحاجة إلى خطة تطوير اقتصادي جديدة تحل محل خطة 922، التي تنتهي هذا العام كما ذكرت.
كمجتمع، نمتلك كل القدرات اللازمة لتنظيم أنفسنا بشكل جماعي ومهني، وطرح خطة مدروسة وقابلة للتنفيذ. عدم اغتنام هذه الفرصة الآن سيكون تفريطًا بحقوقنا وفشلًا سنحاسب عليه من قبل الأجيال القادمة.