في هذا الأُسبوع، نشرت الحكومة الإسرائيلية برنامجها للتطوير الاقتصادي للمجتمع العربي بتكلفة 15 مليار ( تقريبا(. شاقل على خمس سنوات. بدايةً – وحتى نكون متوازنين في الطرح والتقييم – لا بد لنا من مباركة أي جهد والترحيب بأية مبادرة حكومية تشمر من خلالها الحكومة عن ساعديها بقصد النهوض بالمجتمع العربي اقتصاديّاً واجتماعيّاً، هذا المجتمع غير الممثل في الحكومة وغير الداعم لها على المستوى السياسي.
ولكن الأهم هنا هو أن هذا البرنامج الحكومي ينطوي على علامات استفهام كبرى ويحمل في طياته دواعي الشك وفي جعبته كثير من المغالطات التي تبرر تشكيكنا في مدى صدقه ونجاعته وصلاحيته. ما يستدعي مناقشته وإبداء الرأي فيه بالاعتماد على المنطق والأدلة والبراهين والمؤشرات.
لا بد من التساؤل أولاً: هل المبلغ المقترح وعلى جدول زمني ( خمس سنوات) هو مبلغ سيتم إنفاقه فعلا بالوجه الصحيح ؟ وهل يكفي لاحتياجات المجتمع العربي؟ هل يأتي في سياق بشرى جديدة؟؟ أم أنه من ضمن الميزانيات التي منذ البداية كان جزء منها مخصص للمجتمع العربي من خلال ميزانية المكاتب الحكومية المختلفة (اي أنه امتداد للميزانيات القائمة وتفرع منها)؟ بما معناه: كم هو الجزء الإضافي من الميزانية الذي تم الحصول عليه للاستثمار في المجتمع العربي لسد الفجوات مع المجتمع اليهودي وليس من خلال ما هو مخصص للمجتمع العربي ؟ لماذا تسميتها بخطه التطوير وليس بخطه سد الفجوات كما جاء في مطالب الوفد المفاوض?
لعل الإجابة عن هذه التساؤلات مركبة: لأن المبلغ المطلوب لتحقيق المساواة الكاملة هو أكثر بكثير من هذا وفي تقديري أنه يصل إلى ما يقارب 60 مليار شاقل على جدول زمني مدته عشر سنوات.
هذا المبلغ الذي أقترحه الآن (60 مليار) هو في نظري طرح منطقي، ويمكن توفيره إذا ما أخذنا بعين الاهتمام أن الحكومة ترفع من مقدار المنتوج العام بمقدار 22 مليار شاقل سنويّاً. فنستخلص منى هذا أنه وفي مجتمع عادل يمكن تخصيص 6 مليار شاقل من الميزانية للمجتمع العربي وهذا متناسب تماماً مع نسبة العرب من سكان الدولة.
أما على المستوى العملي والمهني فلا شك في أن الحديث عن برنامج شمولي يبدو هاماً للوهلة الأُولى في اتجاه العلاج الأساسي و لكنني أعتقدُ بأن هذه الخطة في معظم مجالاتها زاخرة بالثغرات ويكتنفها الغموض وتخطئ الهدف في أحيان أُخرى، ومن الأمثلة على ذلك الخلل فيها:
في مجال التربية: تجدها تتطرق إلى تحسين تأهيل المعلمين وتطوير التربية غير الرسمية وتطوير جودة التعليم وصقل هوية الطالب. فيما تتجاهل المشاكل الأساسية الصعبة كالافتقار للصفوف في المدارس وعدم إضافة ساعات تعليم وإهمال تفعيل التعليم التكنولوجي الذي بدوره يؤسس لفتح أماكن عمل مستقبلاً.
وفي مجال تخصيص أراضٍ لإنشاء مناطق صناعية: تشير الخطة إلى مناطق صناعية مشتركة للتجمعات السكنية اليهودية والعربية. إن هذا التعريف الموسع للمناطق الصناعية المشتركة من شأنه زيادة الشك وتعزيزه في مدى نجاعة موضوع المناطق الصناعية المشتركة، فلدينا تجربة سابقة مثلما حصل في تجربة ( سخنين – مسغاف) بحيث كان المستفيد الأبرز لتلك التجربة هي التجمعات السكنية اليهودية منى خلال جباية الضرائب وفتح أماكن عمل جديدة في تجمعات اليهود السكانية.
مثال آخر يمكن أن نستعرضه من خلال بند العمل في الخطة الحكومية: حيث تولي أهمية كبرى لمراكز التوجيه والتأهيل المهني من خلال شركة الفنار، لكن الخطة تتجاهل آلية استحداث وظائف وفرص عمل داخل القرى والمدن العربية ، علماً بأن مراكز التوجيه تلك يتمحور عملها بتوجيه المجتمع العربي لوظائف قائمة وليس لخلق وظائف جديدة.
وفي مجال الإسكان الذي تعاني منه فئات المجتمع العربي كافة: تتطرق الخطة إلى عشر مدن عربية رئيسة في البناء المتعدد الطبقات وتتجاهل باقي المناطق العربية وتتجاهل توسيع مناطق النفوذ لسلطات المحلية العربية مع إغفال تام لأحد أبرز مطالب الوفد العربي المفاوض وهو تغيير معادلة الهبات الاعتيادية التي تمنح للسلطات المحلية العربية تلك الهبات التي ما زالت قاصرة عن مواكبة الوضع الاقتصادي الاجتماعي للسلطات المحلية العربية.
إنها خطة لم تأخذ بعين الاهتمام أي ورقة عمل أو خطة مقدمة من الوفد العربي المفاوض للحكومة هذا فيما إذا افترضنا بأن الوفد حمل في جعبته خطة مهنية وتصوراً لائقاً بحجم القضية كما انها لا تقترح تغيرا في أجهزة تخصيص الميزانيات المتعلقة بحصة المجتمع العربي.
إن علامة استفهام كبرى تظل تحوم حول مصادر تمويله، فجميع بنود الخطة ومجالاتها المقترحة ممول من خلال الميزانية الأساسية لكل مكتب حكومي أي ان المبلغ الإضافي المستثمر في المجتمع العربي من خلال الخطة المقترحة لا يتعدا 2.5 مليار شاقل( تقريبا(.
وهذا يثبت وجود خداع فعلى سبيل المثال وزارة التربية من خلال الميزانية الاعتيادية تطرح وجوب العمل على تأهيل معلمين…. فما الجديد في الخطة حول هذا؟
من غير الواضح فيما إذا سيشارك طرف من خارج الحكومة في متابعة تطبيق هذه الخطة ولديه مهنية واحترافية مؤهلون لذلك الدور لأن إبقاء الخطة تحت هيمنة الوزراء وتصرفهم سيعيدنا للوراء لمثل خطة المليار في العام 2000 التي لم تثمر شيئاً ولم تأتِ بمردود على المجتمع العربي.
وسيظل الشك مهيمناً حول إمكانية تطبيق الخطة خلال الأعوام الخمسة المقبلة في المجتمع العربي لذلك سنظل نتعامل مع برنامج الحكومة المقترح ضمن إطارين: الترحيب مع الحذر الشديد. أي مباركة المبادرة مع عدم البقاء مكتوفي الأيدي ومطالبة التدخل الفعلي للجنة المتابعة العربية العليا واقتراح التغييرات اللازمة للانتقال لمرحلة سد الفجوات وإلغاء فوارق بين المجتمعين وعدم الاكتفاء بفكرة تطوير وتجاوز التمييز بين المجتمعين اليهودي والعربي.