د. سامي ميعاري – محاضر في جامعة تل أبيب وجامعة أوكسفورد ومدير عام المنتدى الاقتصادي العربي
يمر مجتمعنا العربي بمرحلة هامة من التطور الاقتصادي، حيث نشهد في السنوات الأخيرة نهضة اقتصادية في العديد من البلدات العربية. يظهر ذلك من خلال افتتاح المحال والمؤسسات التجارية وتشغيل العمال العرب، وهو مؤشر إيجابي رغم المعيقات التي يواجهها المواطنون العرب.
إلا أن هذا النمو الاقتصادي مهدد بالعديد من التحديات، خاصة في ظل الأزمة الحالية التي اجتاحت العالم نتيجة لجائحة كورونا. ومن أبرز هذه التحديات ظاهرة السوق السوداء، التي تشكل خطرًا حقيقيًا على الاقتصاد والمجتمع على حد سواء.
مظاهر السوق السوداء وأخطارها
صرف الشيكات المؤجلة بفائدة مرتفعة
يلجأ بعض التجار إلى صرف الشيكات المؤجلة مقابل فائدة مصرفية مرتفعة، خاصة في ظل رفض البنوك منح التسهيلات المالية. هذه الظاهرة لها تداعيات خطيرة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
التجار ورجال الأعمال المتضررون:
يلجأ التجار الذين يعانون من أزمة سيولة إلى تجار الشيكات للحصول على النقد مقابل شيكات لم يحل موعدها بعد. ومع تضاعف الفائدة في حال عدم السداد في الوقت المحدد، يجد هؤلاء أنفسهم غارقين في الديون وغير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم المالية.
ارتفاع نسبة العنف:
تجار الشيكات غالبًا ما ينتمون إلى ميليشيات العنف، وعند فشل التجار في السداد، يقومون باستخدام أساليب عنيفة كحرق المحال التجارية أو التهديد. هذا العنف يؤدي إلى إغلاق المؤسسات التجارية وإفلاس المشاريع الصغيرة، ما يعمّق الأزمة الاقتصادية في المجتمع العربي.
تبييض الأموال:
تعد عملية تبييض الأموال واحدة من أبرز المخاطر التي تصاحب السوق السوداء. تتم هذه العملية من خلال افتتاح محال تجارية وهمية تُستخدم لتبييض الأموال الناتجة عن مصادر غير شرعية، مثل تجارة المخدرات والرشاوى وأشكال أخرى من الكسب غير القانوني.
تأثير السوق السوداء على الاقتصاد والمجتمع
اقتصاديًا:
يشكل تضخم حجم تجار الشيكات خطرًا كبيرًا على المجتمع، إذ تصبح ثروة المجتمع العربي مركزة في أيدي فئة صغيرة من التجار المستغلين.
اجتماعيًا:
تلجأ عائلات تمر بأزمات اقتصادية إلى التعامل مع هؤلاء التجار، ما يؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي وخلق أزمات عائلية قد تصل إلى التفكك.
الحذر من التعامل مع السوق السوداء
من الضروري أن يحذر المواطنون من اللجوء إلى تجار السوق السوداء تحت أي ظرف. ينبغي الاعتماد على المؤسسات الرسمية فقط، والتعامل المصرفي يجب أن يقتصر على البنوك أو الحلول الشخصية الآمنة بعيدًا عن استغلال تجار الشيكات.
على المجتمع العربي أن يعزز القيم الأخلاقية والتكافل الاجتماعي، بحيث يكون الربح مشروعًا وليس استغلاليًا. لا يجوز لمجتمعنا أن يتحول إلى مجتمع رأسمالي مفرط يجعل المال غاية تُباع فيها القيم الإنسانية.
المال وسيلة لا غاية
النظرية القرآنية للمال واضحة: المال وسيلة للعيش وليس غاية. على الإنسان أن يحافظ على قيمه وأخلاقه، وألا يسمح لجشع المال أن يسيطر على حياته. المال وحده لا يمكن أن يحقق السعادة أو الرضا، لذا يجب أن تكون القيم الإنسانية هي الأساس في تعاملاتنا الاقتصادية والاجتماعية.